هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى يهتم بالشؤون الدينية والقضايا الإسلامية في عصرنا الحاضرفي المذهب المالكي
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
المواضيع الأخيرة
»  المدارس الفقهية المالكية وتوزيعها الجغرافـــي
لمدرسة المالكية الفاسية: النشأة الأولى والمميزات عـهـد الـدولــة الإدريـسيـة I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 22, 2012 6:36 pm من طرف الحسين شكور

» السمات الأساسية للمدرسة المالكية بالعراق ومظاهر الالتقاء والافتراق بينها ‏وبين المدارس المالكية الأخرى
لمدرسة المالكية الفاسية: النشأة الأولى والمميزات عـهـد الـدولــة الإدريـسيـة I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 22, 2012 6:30 pm من طرف الحسين شكور

» مِـن حِـكـم الامام مـالـكـ
لمدرسة المالكية الفاسية: النشأة الأولى والمميزات عـهـد الـدولــة الإدريـسيـة I_icon_minitimeالجمعة ديسمبر 21, 2012 11:13 pm من طرف الحسين شكور

» خصائص المدرسة المالكية المغربية
لمدرسة المالكية الفاسية: النشأة الأولى والمميزات عـهـد الـدولــة الإدريـسيـة I_icon_minitimeالجمعة ديسمبر 21, 2012 10:44 pm من طرف الحسين شكور

» لمدرسة المالكية الفاسية: النشأة الأولى والمميزات عـهـد الـدولــة الإدريـسيـة
لمدرسة المالكية الفاسية: النشأة الأولى والمميزات عـهـد الـدولــة الإدريـسيـة I_icon_minitimeالجمعة ديسمبر 21, 2012 10:31 pm من طرف الحسين شكور

» إسهامات المغاربة في علم أصول الفقه
لمدرسة المالكية الفاسية: النشأة الأولى والمميزات عـهـد الـدولــة الإدريـسيـة I_icon_minitimeالجمعة ديسمبر 21, 2012 10:10 pm من طرف الحسين شكور

» الشخصية العلمية في القرويين
لمدرسة المالكية الفاسية: النشأة الأولى والمميزات عـهـد الـدولــة الإدريـسيـة I_icon_minitimeالجمعة ديسمبر 21, 2012 4:16 pm من طرف الحسين شكور

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 8 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو الحسين فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 9 مساهمة في هذا المنتدى في 7 موضوع

 

 لمدرسة المالكية الفاسية: النشأة الأولى والمميزات عـهـد الـدولــة الإدريـسيـة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الحسين شكور
Admin
الحسين شكور


عدد المساهمات : 12
نقاط : 33
تاريخ التسجيل : 15/12/2012
العمر : 44
الموقع : المدير

لمدرسة المالكية الفاسية: النشأة الأولى والمميزات عـهـد الـدولــة الإدريـسيـة Empty
مُساهمةموضوع: لمدرسة المالكية الفاسية: النشأة الأولى والمميزات عـهـد الـدولــة الإدريـسيـة   لمدرسة المالكية الفاسية: النشأة الأولى والمميزات عـهـد الـدولــة الإدريـسيـة I_icon_minitimeالجمعة ديسمبر 21, 2012 10:31 pm

المدرسة المالكية الفاسية: النشأة الأولى والمميزات
عـهـد الـدولــة الإدريـسيـة

ذهب أغلب الباحثين ممن يهتم بتاريخ المذهب المالكي ومدارسه إلى القول بأنه بعد وفاة الإمام مالك بن أنس رحمه الله تكونت في أنحاء البلاد الإسلامية براعم المدرسة المالكية الكبرى، كان من وراءها أولئك الذين تتلمذوا على الإمام مالك والتزموا مذهبه وأصوله الاستنباطية الفقهية، وتطورت هذه البراعم لتصبح فروعا باسقة لشجرة عظيمة بل ليصبح كل برعم منها مدرسة تحت راية المدرسة المذهبية الكبرى ولكل مدرسة من هذه المدارس نشاطها العلمي الذي تتميز به، وممن ذهب إلى هذا، الدكتور محمد إبراهيم أحمد علي في كتابه "اصطلاح المذهب" ثم عدد هذه المدارس فحصرها في خمسة، وهي:
المدرسة المدنية - الأم - والمدرسة المصرية، والمدرسة العراقية، والمدرسة المغربية، والمدرسة الأندلسية.
ومعلوم لدى البعض، أن هناك مدرسة أخرى مستقلة لا تقل أهمية عما سبق ظلت ولمدة طويلة مهملة، على رغم أهميتها، وحتى إذا ذكرت، جاءت مقرونة بالمدرسة المغربية - الكبرى- التي تعني أو تشغل حيزا جغرافيا واسعا.
هذه المدرسة هي: المدرسة المالكية الفاسية - بالمغرب الأقصى-، ولعل التقصير في ذكر أخبار هذه المدرسة وقضاياه أو شؤونها عموما بالشكل الكافي، إنما هو من طرف أهلها، فهي لحد الآن، لا زالت بعد لم تحظ بالعناية الكافية والدراسة التامة اللازمة كما درست المدارس الأخرى.
وقد نبه على هذا النوع من الإهمال الدكتور عبد الهادي التازي، قال: "ظلت الشكوى من إهمال المغاربة لتاريخهم لازمة لكل الذين حاولوا أن يقدموا إلى المكتبة المغربية تاريخا مدققا، وخاصة المراحل الأولى التي تقع وراء الظلال".
وفي حدود اطلاعي، أن أول مؤلف نبه على هذه المدرسة وأهميتها، ورتب أعلامها وترجم لهم هو العلامة الشيخ محمد مخلوف في كتابه: "شجرة النور الزكية في طبقات علماء المالكية" أثناء الحديث عن فروع المدرسة المالكية الكبرى، حيث ذكر فرع العراق، وفرع مصر، وفرع إفريقية، وفرع الأندلس، وختم بفرع فاس، وفي مكان آخر عبر بفرع: المغربين الأقصى والأوسط، تحت مسمى فاس.
بل ذهب إلى أبعد من هذا حيث ذكر طبقات كل فرع بالترتيب، ومنهم طبقة علماء فاس، وبدأ هذا الفرع بالفقيه دراس بن إسماعيل الفاسي المتوفى سنة 357هـ. واعتبره مؤسس مدرسة فاس المالكية، وقال عند بدء ترجمته: ومن هنا كان تفريع فاس، وهو جامع لعلماء المغربين الأقصى والأوسط.
ففرع فاس في اصطلاح محمد مخلوف، يشمل المغربين الأقصى والأوسط وهو المعروف بالقطر الجزائري حاليا، وهو الرأي الذي سوف يتبناه صاحب الفكر السامي الحجوي الثعالبي.
وقال الشيخ محمد مخلوف في مكان آخر: أعلم أن "عقود درر الشجرة" – يعني كتابه -انتظم من سبع وعشرين طبقة، والإمام مالك قدس الله روحه من رجال الطبقة الرابعة، ومذهبه ظهر بالمدينة المنورة، ثم انتشر في حياته وبعد وفاته في أقاليم كثيرة وأقطار متعددة منها الحجاز، والعراق، ومصر، وطرابلس، والأندلس، وإفريقية، وصقلية، والسودان، والمغرب الأقصى والأوسط، لكن انتشاره كان طويل المدد في خصوص العراق ومصر وإفريقيا والأندلس والمغربين، فحالته في هاته الأقطار جديرة بأن تذكر وتطلب، وحقيقة أن تبسط، إذ هي فروع خمسة في رجال لمذهب، وترتيب رجال كل فرع على مقتضى الوفيات من أوله إلى منتهاه.
فقد ذهب الشيخ إلى اعتبار فروع المدرسة الكبيرة خمسة، وهو مخالف لما ذهب إليه آخرون من أنها أربعة فقط وإهمالهم لفرع فاس.
وقال صاحب "مظاهر النهضة الحديثية في عصر يعقوب المنصور الموحدي": "وقد قامت في رحاب المذهب المالكي أربع مدارس، يختلف بعضها عن بعض، اختلافا يسيرا، حسب اجتهادات فقهائها داخل المذهب، وهي:
1-المدرسة المالكية العراقية، لم يتبع أحد من أهل الأندلس هاته المدرسة.
2-المدرسة المصرية، يتزعمها ابن القاسم ت191ه
3-مدرسة القيروان، التي يتزعمها عبد السلام سحنون ت 204 هـ
4-مدرسة قرطبة، يترأسها يحيى بن يحيى الليثي 234 هـ
وهاتان المدرستان الأخيرتان تحولتا فيما بعد إلى مدينة فاس"
فتكون فاس إذن هي المدرسة الخامسة بعد المدارس الأربع.
كما نجد التجيبي في برنامجه يشير إلى هذه المدرسة معبرا عنها بقوله: "فاس دار فقه المغرب"
وكذا قال مؤرخ المذهب الشيخ محمد الفاضل بن عاشور: "... وقد ساق – الهدي الإلهي- لجامع القرويين فقيها عمره، فتأسس به المركز التوجيهي الجديد، ونبت به فرع جديد لم يكن له سابق من فروع المذهب المالكي، وهو فرع المغرب الأقصى..."
كما أشار إلى هذه المدرسة الدكتور محمد إبراهيم أحمد علي في كتابه: اصطلاح المذهب أثناء الحديث عن المدرسة التونسية، حيث قال: "تمخضت مدرسة تونس عن مدرسة مالكية أخرى، هي: "مدرسة فاس والمغرب الأقصى".
هذا الفرع الفاسي هو الذي أضحي فيما بعد، الممثل للمذهب المالكي في المغرب العربي بعامة، والأندلس بخاصة بعد استقرار المهاجرين من علمائه في أنحاء المغرب العربي.
فإذا ثبت، ومن خلال النصوص التي ذكرناها بأن هناك مدرسة مالكية خامسة أسست بالمغرب الأقصى إلى جانب المدارس الأربع المشهورة، وأنها عرفت بالمدرسة المالكية الفاسية فإن الأخبار التي وصلتنا عنها تكاد تكون جد شحيحة، لا تقدم لنا هذه المدرسة في صورة واضحة متكاملة.
ومساهمة في بحث بعض الجوانب من تاريخ النشأة الأولى لهذه المدرسة وبعض مميزاتها إلى جانب بعض المساهمات السابقة، قررت أن أبحث فيها جانب النشأة مركزا على دور الدولة الإدريسية بالخصوص، في زرع بذرتها الأولى، لتنضاف إلى المحاولات الأولى، وعنونتها ب: المدرسة المالكية الفاسية: النشأة الأولى والمميزات، عهد الدولة الإدريسية. وقيدت هذه المدرسة بمصطلح الفاسية تمييزا لها عن المدرسة المغربية -ذات الجغرافيا الواسعة الممتدة-
والهدف من اختيار هذا الموضوع هو محاولة إثبات وجود مدرسة مالكية بهذا البلد الأمين، وكان مركزها فاس، تكاملت –سابقا- مع باقي المدارس الأخرى فشكلت إلى جانبها سلسة متماسكة من المحيط إلى الخليج، وقد وضع حجرها الأساس في إطار نشأتها الأولى في أواخر القرن الثاني، تميزت عن باقي المدارس بخصائص محلية.
وأريد أن أنبه منذ البداية أن الحديث عن فاس العالمة والمدرسة المالكية بها، هو في الواقع حديث عن المغرب الأقصى بكامله، ذلكم لأن أول دولة إسلامية متكاملة الأركان سوف تتأسس بالمغرب الأقصى كانت بفاس، وأول مؤسسة جامعية شعبية مفتوحة سوف تؤسس بالمغرب الأقصى وتحتضن المذهب المالكي كانت بفاس، وهي جامع القرويين. وأول مدينة بعد وليلي تستقبل وتحتضن بعض ساكنة حاضرتي قرطبة والقيروان المالكيتين هي فاس.
وفي حقها يقول الشريف الإدريسي ت 560 هـ: "ومدينة فاس قطب ومدار المغرب الأقصى... وهي حاضرتها الكبرى ومقصدها الأشهر، تشد لها الركاب وإليها تقصد القوافل...ولها من كل شيء حسن أكبر نصيب وأفر حظ "
وقال عنها المراكشي: "إنها حاضرة المغرب في وقتنا هذا، وموضع العلم منه، اجتمع فيها علم القيروان وعلم قرطبة، إذ كانت قرطبة قاطرة الأندلس لما كانت القيروان حاضرة المغرب، فلما اضطرب أمر القيروان بعبث العرب فيها، واضطرب أمر قرطبة باختلاف بني أمية بعد موت أبي عامر بن محمد بن عامر وابنه، رحل من هذه من كان فيها من العلماء والفقهاء من كل طبقة فرارا من الفتنة، فنزل أكثرهم مدينة فاس، فهي اليوم على غاية الحضارة... وما زلت أسمع المشايخ يدعونها بغداد المغرب، وبحق ما قالوا من ذلك... وما أظن في الدنيا مدينة كمدينة فاس."
بهذه الكلمات يقدم المراكشي مدينة فاس، وهي تؤكد القولة المأثورة: العلم كقمح نتج بالمدينة، وصفي ببغداد، وطحن بالقيروان، وغربل بقرطبة، وأكل بفاس".
ويختم الدكتور عبد الهادي التازي كلامه قائلا: وهل عرف العالم كله بلاد المغرب إلا إذا قرن باسم فاس. قلت: وهل عرف العالم كله مدينة فاس، إلا إذا قرن باسم القرويين؟
وإن الحديث عن المدرسة المالكية الفاسية يدفعنا –ومن باب الاستحسان- إلى الحديث عن تاريخ دخول الإسلام والوضع المذهبي الذي كان سائدا بالمغرب الأقصى بعد الفتح، إلى حين ظهور المذهب المالكي.
فنقول باختصار شديد: لقد عرف الإسلام طريقه إلى المغرب منذ بداية النصف الثاني من القرن الأول الهجري فقد تم فتحه على يد عقبة بن نافع –رحمه الله- سنة 62 هـ، ثم دخلته مجموعة يقودها الفاتح موسى بن نصير –رضي الله عنه- سنة 87 هـ، ثم طارق بن زياد الشخصية البطولية الجهادية التي لم تقف عند نقطة المغرب الأقصى، بل امتد فتحه حتى وصل الضفة الأخرى حيث الجزيرة الخضراء، ثم جاء بعد هؤلاء داعية حاول استكمال ما تم إنجازه من قبل وهو المولى إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، ثم خلفه بعده ابنه إدريس الثاني فأكمل بناء الدولة وأسس عاصمتها فاس، وقد كانت الدولة الإدريسية هي أول دولة مغربية مسلمة مستقلة في المغرب الأقصى.
أما عن الوضع الديني والمذهبي قبل دخول المولى إدريس فتذكر كتب التاريخ أنه في النصف الأخير من القرن الثاني الهجري، كان المغرب يعيش وسط خضم من المذاهب والتيارات والفرق الإسلامية، سواء على صعيد السياسة أو العقيدة أو الفقه، وكان بعضها يتسم بالغل والمبالغة. فهناك من جهة وجود الخوارج، هؤلاء الذين رحب بهم المغاربة حين هزموا في المشرق واستقروا في مراكز مختلفة من المغرب، في مدينة طنجة التي سوف يظهر فيها زعيم كبير من زعماء الخوارج الصفرية وهو ميسرة المدغري الذي سيقوم من المغرب بحملة ضد الدولة المركزية في المشرق، سوف يتقوى الخوارج ويكون لهم نفوذ في سجلماسة التي أسست فيها إمارة على رأي الصفرية كذلك، وهي إمارة بني مدرار ومن سجلماسة التي يبدو أنها كانت مركزا مهما للخوارج سيذهب إلى طرابلس أبو الخطاب المعافري الذي كانت له الرياسة في ليبيا، وسوف يطارده العباسيون إلى أن يرحل إلى القيروان، ثم هناك الاعتزال، هذا الاعتزال الذي يقول لنا التاريخ إن قبيلة أوربة التي آوت المولى إدريس كانت على رأيه، ولا بد أن نعيد إلى الذاكرة أن أول درس لقنه إدريس لحاكم "وليلة" كان يتعلق بمذهب المعتزلة.
ويحدثنا التاريخ كذلك عن جماعة تسمى الواصلية –نسبة إلى واصل بن عطاء – كانت موجودة في المغرب ووجد إلى جانب هذا مذهب أبي حنيفة في الفقه، وسوف يستمر إلى عهد المولى إدريس الثاني بعد بناء فاس، وهو الذي أكده القاضي عياض في "المدارك"، ونقله الناصري في "الاستقصا"، قال: "ظهر مذهب أبي حنيفة بإفريقية ظهورا كبيرا إلى قرب أربعمائة سنة فانقطع منها، ودخل منه شيء إلى ما وراءها من المغرب قديما بمدينة فاس وبالأندلس..."
في هذه الفترة أيضا لا نستبعد أن يكون لمذهب الإمام الأوزاعي وجود في المغرب الأقصى بسبب العلاقة والقرب من الأندلس، التي كانت تساس من طرف الدولة الأموية والتي كانت تتمذهب بمذهب الإمام الأوزاعي، وهو مذهب أهل الشام والرحلات المتبادلة بين البلدين.
فالمغرب بالرغم من بعد مسافته عن المشرق، ظل مرتبطا به، يتلقف ما يصل إليه من آراء وأفكار بواسطة المبعوثين والرسل، والحجاج، والرحالة، وكذلك عن طريق المضطهدين الذين كانوا يجدون في المغرب حماية منيعة لهم من متابعة الحكام في المشرق.
على العموم، هكذا كانت حالة المغرب إلى عهد دخول المولى إدريس المغرب فلا يوجد فيه ذكر للمذهب المالكي، باستثناء ما ذكره ابن الخطيب في "أعمال الأعلام" من أنه كانت بشمال المغرب الأقصى إمارة عربية سنية مالكية لعبت دورا كبيرا في نشر الإسلام واللغة العربية والفكر السني بين سكان منطقة بلاد الريف، كما قاومت في نفس الوقت التيار الخارجي والغزو الشيعي، وهو نفس المهمة التي اضطلعت بها إمارة الأمويين بالأندلس والأدارسة في أغلب فترات حكمهم ببلاد المغرب الأقصى، وهذا ما يفسر مسالمة الأدارسة، ومؤازرة الأمويين لبني صالح الحميريين، هذه المؤازرة التي خففت من أثر الضربات التي تلقتها هذه الإمارة السنية، وهي تقاوم تيار الخوارج وعدوان الشيعة الروافض.
وقد ذهب بعض الباحثين إلى اعتبار الإمارة النكورية ما هي إلا ولاية أندلسية وليست إمارة مستقلة ببلاد الريف، وهذا ما جعل التواصل العلمي والوجود الأندلسي حاضرا باستمرار في الإمارة النكورية وعلى جميع المستويات والمجالات، فالنكورية ينجدون إخوانهم الأندلسيين في حروبهم مع النصارى، ولا تقتصر هذه المشاركة في الغزو على العامة، بل يسهم في هذا الإنجاد الأمراء كذلك، كما أن الأندلسيين كانوا يسارعون إلى نجدة إخوانهم النكوريين كلما هددهم عدوان. ولذلك ذهب أغلب الباحثين إلى اعتبار الإمارة النكورية ما هي إلا جزء تابع لإمارة المدرسة المالكية الأندلسية.
فمتى إذن ظهرت بذور هذا المذهب بالمغرب؟ يجيبنا الباحث محمد أبو العزم عن هذا السؤال قائلا: وأما في المغرب – يعني المغرب الأقصى- فيمكن إرجاع تكوين نواة مدرسة مالكية به إلى عصر الدولة الإدريسية الذي بدأ منذ سنة 172 هـ، وهو بهذا يرجع ظهور المذهب المالكي بالمغرب إلى عهد إدريس الأول -رضي الله عنه- وهو الذي سوف يتبناه الدكتور عبد الهادي التازي في جامع القرويين
وقد أجمعت كتب التاريخ على أنه في الوقت الذي سيفد المولى إدريس على المغرب سوف يرحب به المغاربة ويبايعونه وعلى رغم شيعيتة – وهو زيدي- لم يحاول إظهارها بل كان همه هو استكمال الدعوة الإسلامية التي بدأها من جاء قبله يظهر ذلك جليا في خطبته الشهيرة التي خطب بها المغاربة وفيها يقول: (...أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإلى العدل في الرعية، والقسم بالسوية، ورفع المظالم، والأخذ بيد المظلوم، وإحياء السنة، وإماتة البدعة، وإنفاذ حكم الكتاب على القريب والبعيد... -إلى أن يقول-: فعسى أن تكونوا معاشر إخواننا من البربر اليد الحاصدة للظلم والجور وأنصار الكتاب والسنة القائمين بحق المظلومين من ذرية النبيئن...).
فيبدو واضحا أن هذه الرسالة تفوح بروح معاني الكتاب والسنة وهو المنهج السني المطلق، ولا تشم منها أية رائحة يمكن أن يفهم منها أن المولى إدريس كان يريد أن يوحي أو يثير أو يفرض التشيع، وربما كان يهم المولى إدريس وهو في معركة ضد العباسيين، ومعه أسرته، وكان يكفيه أن يقوي نفسه وأن يجد له مكانا يستقر فيه وينطلق منه، ويبدو أن العباسيين أدركوا ذلك، ولهذا ما كاد يستقر في المغرب حتى طاردوه وأرسلوا له من قتله بالسم كما هو معروف تاريخيا.
وبناء على هذا الموقف ذهب بعض الباحثين إلى القول بأن المولى إدريس كان همه نشر الكتاب والسنة وهو الذي حمل بذور شجرة المذهب إلى المغرب الأقصى، وأن هذا تم في حياة الإمام مالك – رحمه الله-
وممن تبنى هذا الرأي الدكتور عبد الهادي التازي، في كتابه "جامع القرويين" حيث قال: (لقد ورد إدريس يحمل مذهبا غير كل هذه المذاهب فنحن على سابق علم بما ورد عن الإمام مالك من مناصرة بالأمس لمحمد النفس الزكية، تلك المناصرة التي عرفته المحنة والعذاب، فلم لا يدع والإمام إدريس اليوم إلى الاقتصار على مذهب مالك ؟ وهكذا جاءهم بالموطأ فنشره بينهم وكان يؤثر عنه قوله: "نحن أحق باتباع مذهب مالك وقراءة كتابه" وذلك لرواية الإمام إدريس للموطأ عن والده عبد الله الكامل"
وإذا كان هذا صحيحا فسوف يكون حينئذ أن الموطأ دخل المغرب في حياة الإمام مالك –كما كان الأمر في الأندلس، وهذا جد مستبعد في تقديري لافتقارنا إلى المصادر التي تثبت ذلك أو تقوي الرأي الأخير.
وهذا هو الذي أكده الكتاني في الأزهار العاطرة، فقد جزم بأن الإمام إدريس كان على مذهب مالك، ودعا الناس للأخذ به واتباع منهجه، وجعله مذهبا رسميا للدولة معززا ذلك بقوله: نحن أحق باتباع مذهب مالك وقراءة كتابه "
وفي تقديري أنه من الصعب جدا أن نسلم بهذا القول الذي يحتاج إلى المزيد من البحث والتوثيق، ثم المصادر التاريخية التي بين أيدينا لا تساعدنا لكي نتبنى هذا الرأي ونسلم به، فهي نفسها تحتاج إلى توثيق
لكن الذي يمكن أن نميل إليه في هذا الصدد ونسجله كنقطة إيجابية نحو هذا المذهب، هو أن هناك تعاطفا كان بين الأدارسة في شخص الإمام إدريس الأب والإمام مالك، وهو تعاطف له مظهران اثنان:
1- الأول: يتمـثل في أن الإمام مالك يروي في موطئه عن عبد الله الكامل والد المولى إدريس.
2- الثاني: أي المظهر الثاني، يتجلى في أن الإمام مالك، كان له موقف من العباسيين، هذا الموقف الذي كان لصالح أخ المولى إدريس، المسمى بالنفس الزكية. ولهذا بمجرد ظهور هذا الأخير أعلن الإمام مالك بطلان بيعة أبي جعفر، لماذا؟ لأنها كانت على الإكراه، بل كان قبل ذلك يقول ببطلان الطلاق المكره، وسقوط يمين الإكراه على العموم. وقصته في ذلك مشهورة، فقد ضرب في ذلك بالسياط ومدت يده حتى انخلعت عن كتفه، كما تحكي كتب التاريخ
إذن يمكن القول بأن هناك ما يجعل المولى إدريس يسير على خط أهل السنة وهو الذي يترجمه نص خطبته السابقة وربما كان يعمل على التهييئ مستقبلا لنشر المذهب المالكي.
على أن هذا الاختلاف الواقع حول إدريس الأول، وعلاقته بالمذهب المالكي، سوف يختفي ولا نجده مع ابنه إدريس الثاني، الذي تكاد تجمع المصادر، على أنه في وقته دخل أول كتاب حديثي للمغرب، وبالضبط لفاس، وهو موطأ الإمام مالك، وهذا الأخير هو عمدة المذهب، ولبه وأصله، وهذا متفق عليه، كما يقال بأنه ألزم الناس بقراءته وإقراءه، وهذه الرواية تنفي ما ذهب إليه الدكتور التازي ومتبوعه الدكتور أبو العزم.
وإذا سلمنا بأن المذهب دخل المغرب في عهد الدولة الإدريسية، وأن أغلبية المؤرخين ذهبوا إلى أن هذا تم في عهد إدريس الثاني، فهل يمكن تحديد فترته الزمنية وآلياته المعتبرة في هذا الدخول ؟
هناك روايتان في تحديد تاريخ دخول المذهب المالكي والآليات المعتبرة في دخوله:
الأول: تذهب إلى أن دخوله تأخر إلى أواسط القرن الثاني الهجري –تاريخ تأسيس الدولة الإدريسية-
الثانية: تذهب إلى أن دخوله تأخر إلى أواسط القرن الرابع الهجري – يعني أواخر عصر الأدارسة –
ومنشأ الخلاف راجع إلى الخلاف في ما هو المعتبر في دخول المذهب المالكي إلى المغرب الأقصى، هل دخول موطأ الإمام مالك بن أنس ؟ أم دخول مدونة سحنون؟
ومعلوم أن كتاب الموطأ دخل في أواخر القرن الثاني الهجري، أما كتاب المدونة، فقد دخل المغرب الأقصى في أواسط القرن الرابع الهجري.
والذي نميل إليه ونختاره ونرجحه في تاريخ دخول المذهب المالكي المغرب الأقصى، هو دخول كتاب الموطأ، فدخول هذا الكتاب يعتبر نقطة بدء دخول المذهب، وتكوين نواة المدرسة، سيما وأنه أصل المذهب ولبه وأساسه، كما أن أغلب المدارس المالكية كان أول ما دخلها من آثار هذا المذهب كتاب الموطأ. فبدخوله بلاد الأندلس مثلا- رواية وسماعا-، تم وضع اللبنات الأولى لقيام المدرسة الفقهية الملكية ببلاد الأندلس، وقد كان ذلك من طرف الغازي بن قيس أيام عبد الرحمن الداخل، وقيل:إن من أدخل الموطأ هو زياد بن عبد الرحمن المعروف بشبطون، وفي قول ثالث أنه: يحيى بن يحيى الليثي المصمودي. كما قامت المدرسة المالكية التونسية في البداية على موطأ الإمام مالك، وعلي بن زياد هو أول من أدخله تونس.
إلى جانب هذا، فإن القواعد الأصولية والحديثية، توجب تقديمه لأمور منها:
1-لأن الموطأ كتبه الإمام مالك بيده ونقحه مدة أربعين سنة، والمدونة ليس كذلك، لأنه لم يكتبها ولم ينقحها.
2-أن الموطأ رواه عن الإمام عدد كبير من العلماء، فهو منقول بالتواتر، والمدونة ليست كذلك، بل انفرد بها ابن القاسم.
3-أن من جملة رواة الموطأ أصحابه المدنيين، وهم الذين لازموه إلى وفاته، وابن القاسم الذي بنيت المدونة على روايته فارق مالكا قبل مماته بعشرين سنة، والملازم للشيخ، مقدم على المفارق له.
4- أن أقوال الإمام في الموطأ، مصحوبة بدليلها من آية أو حديث أو أثر، أما الأقوال المنسوبة إليه في المدونة فجلها إن لم نقل كلها عارية عن الدليل.
5-الموطأ كتاب يجمع خلاصة ما تلقاه من مشيخة المدينة الحافظين لعلم الصحابة والتابعين بها ولما نقل عنهم من الآثار، يجمعها بعد التحري والنظر والعرض على الأصول التي انبنت عليها الأفكار الشرعية.
وعليه، فيكون دخول المذهب المالكي إلى المغرب في أواخر القرن الثاني الهجري، الذي هو تاريخ دخول كتاب الموطأ في عهد إدريس الثاني، وكان ذلك على يد القاضي عامر بن محمد القيسي الأندلسي.
قال الكتاني: وبدخول الموطأ إلى المغرب تحول المغاربة من المذهب الحنفي إلى المذهب المالكي إذ لم يكد القرن الرابع يطل، حتى كان المذهب المالكي قد بدأ ينتشر في المغرب الأقصى، وتتجذر أصوله وفروعه في سائر مرافق الحياة." الأزهار العاطرة: 130)
ومن الروايات الثانية التي ذهبت إلى القول بأن هذا الفرع تأسس في النصف الثاني من القرن الرابع، ما نص عليه الفاضل بن عاشور، حيث قال: "...لقد ساق – الهدي الإلهي – لجامع القرويين فقيها عمرهن فتأسس به المركز التوجيهي الجديد، ونبت به فرع جديد لم يكن له سابق من فروع المذهب الملكي، وهو فرع المغرب الأقصى الذي لم يتكون إلا في أوائل القرن الرابع بهذا الفقيه، وهو دراس بن إسماعيل..".
ولنا أن نتساءل بعد هذا عن كيفية تعامل الدولة الإدريسية مع هذا المذهب، فإذا كان هذا المذهب قد دخل في عصرهم، فهل تقرر مذهبا رسميا بالمغرب على يد الأدارسة، أم تأخر ذلك إلى ما بعد عصرهم؟
اختلف المؤرخون في الإجابة عن هذا السؤال، فهناك من يذهب إلى أنه لا يوجد أي نص، ولا رواية تاريخية، تثبت أن الأدارسة دعوا إلى مذهب مالك رسميا، ولا أن مؤسس الدولة الإدريسية أخد بالمذهب المالكي، وأن عصر الأدارسة عرف مذاهب متعددة: الخارجية والشيعية والمالكية، وأنهم كانوا أميل إلى المذهب الشيعي منهم إلى غيره.
في حين هناك من يرى أن إدريس بن إدريس (177-213) جعل مذهب مالك مذهبا رسميا للدولة، وأصدر أمره لولاته بذلك، بل جزم البعض أن إدريس بن إدريس كان مالكي المذهب ويحفظ الموطأ ويستوعبه.
وقد ذهب أحمد بن عبد الحي الحلبي الفاسي المتوفى سنة 1120 إلى أن إدريس الثاني كان على مذهب الإمام مالك أو سفيان الثوري.
وقد فسر هذا الرأي بناء على أن أول قاض سوف يعينه إدريس كان هو: عامر بن محمد القيسي الأندلسي وهذا الأخير أخد عن الإمامين: مالك بن أنس وسفيان الثوري وروى عنهما. وبالتالي فهولا يستبعد أن يكون على مذهب أحدهما، وهذا هو الذي جعل بعض المؤرخين يرجحون أن المولى إدريس كان على مذهب مالك أو سفيان الثوري لاعتقادهم أنه تبنى مذهب قاضيه المذكور
والذي أميل إليه وأرجحه أن القاضي عامر القيسي كان على مذهب مالك، لأسباب ظهرت لي أجملها فيما يلي:
1- أنه قدم من بلاد مذهبها الرسمي هو مذهب الإمام مالك بن أنس.
2- أنه من تلامذة الإمام مالك، والراجح أنه سمع منه أشياء أخرى غير الموطأ، وبالتالي فهو متشبع بالتوجه المالكي
3-أتى المغرب وهو يحمل موطأ الإمام مالك، وهو أصل المذهب. وهذا يدل على الاهتمام الذي كان يوليه لهذا الكتاب، وربما إشـارة منه إلى المولى إدريس بأهمية الكتاب ومذهب صاحبه.
4- كما يغلب على الظن أنه كان على علم تام بعلاقة الدولة العلوية الإدريسية وموقف الإمام مالك لفائدة عمه محمد النفس الزكية، الذي انتصر له في قضية البيعة، وجده عبد الله الكامل الذي يروي عنه في الموطأ
أمــا الفئة التي ذهبت إلى إقرار المذهب المالكي مذهبا رسميا في عصر الدولة الإدريسية عللوا رأيهم بشيئين اثنين:
أولا- أن مالكا يروي في موطئه عن عبد الله الكامل، وهو والد المولى إدريس الأول.
ثانيا- أن مالكا له موقف ضد العباسيين لصالح العلويين، فقد أفتى هذا الأخير عند قيام محمد النفس الزكية، أخ المولى إدريس الأول، بأن بيعة أبي جعفر المنصور العباسي لا تلزم، لأنها وقعت بالإكراه، وضرب في ذلك كما هو معروف تاريخيا، وبايع محمدا المذكور، وعهد لأخيه إدريس الأكبر بالخلافة بعده.
وقد اشتركت هذه الأمور مجتمعة في التعاطف مع مذهب الإمام مالك والدعوة له والتمسك به وينضاف إلى هذين السببين عنصر ثالث هو:
هجرة العلماء الأندلسيين –القرطبيين- والقيروانيين إلى المغرب في العهد الإدريسي الثاني، وحول هذا الموضوع ذهب بعض المؤرخين إلى أن أول مرحلة من مراحل اتصال المغاربة بالمذهب المالكي في منطقة النفوذ الإدريسي كان عن طريق الدفعة الأولى من العرب الوافدين على المغرب من إفريقية والأندلس، فوافوا إدريس الثاني بمدينة وليلي وذلك سنة 189 هـ، وكان هؤلاء الوافدون في الجملة، نحو خمسمائة فارس من مختلف قبائل العرب، فسر إدريس بمقدمهم، واتخذهم بطانة له، حيث استوزر منهم عمير بن مصعب الأزدي، وكان من فرسان العرب وساداتها، وكان موقع العاصمة الإدريسية الثانية فاس من اكتشافه واختياره، واستقضى منهم عامر بن محمد القيسي الأندلسي، وكان رجلا صالحا ورعا فقيها، سمع من مالك وسفيان الثوري –كما ذكرنا سابقا- وروى عنهما كثيرا قدم من المشرق إلى الأندلس مجاهدا، ثم وفد على إدريس الثاني في جملة الوافدين عليه من الأندلس.
واستكتب إدريس الثاني من هؤلاء، الفقيه المالكي: أبا الحسن بن مالك الأنصاري الخزرجي، وهو الذي تولى عقد شراء إدريس الثاني للبقعة التي بنيت عليها العاصمة فاس من أهلها، وذلك سنة191 هـ
وبإشراك إدريس الثاني لهذه النخبة من رجال العلم والصلاح في مسؤولية الحكم، وتسيير الدولة يكون قد فتح الباب على مصراعيه لدخول مذهب عالم المدينة، وإمام الأئمة مالك بن أنس، الذي تربطه بالأدارسة أكثر من صلة. ولذلك قال الباحث أبو العزم محمد أثناء الحديث عن تكوين المدارس المالكية:"، أما في المغرب فيمكن إرجاع تكوين نواة مدرسة مالكية به إلى عصر الدولة الإدريسية الذي بدأ منذ سنة 172 هـ، فعلى الرغم من اعتناق الأمير إدريس الأول للمذهب الشيعي الزيدي، لم يحاول فرضه على أهل المغرب، وفضل التعاون مع فقهاء المالكية في القضاء على المذاهب الخارجية، وفي مقدمتها برغواطة.
وسار ابنه إدريس الثاني على نفس النهج، فلم يدخل معركة خاسرة مع فقهاء المذهب المالكي، بل كان متعاطفا معهم، وحسبنا أن مجموعة من الفقهاء المالكيين وفدوا في عهده من الأندلس بعد وقعة الربض سنة 202 هـ سعى إلى استقطابهم جميعا.
وفي هذه الحقبة تم إدخال كتاب الموطأ إلى المغرب، فكان أثره في تعميم المذهب المالكي وذيوعه في أوساط المغاربة.
ثم توالت الوفود بعد هذا على إدريس الثاني من الحاضرتين المالكيتين: القيروان والأندلس، الأمر الذي جعله ينزل أهل كل بلد في عدوة من عدوتي فاس بعد بناءها، حيث نسب كل عدوة إلى نازليها، فكانت عدوة القرويين، وعددهم نحو ثلاثمائة أسرة، منها آل الفهري الذين أسسوا جامع القرويين، وعدوة الأندلسيين، ويبلغ عددهم نحو أربعة آلاف بيت. وقد هاجرت هذه الأخيرة من قرطبة، بعد ثورة الربضيين، وكان ذلك بزعامة رجل بربري، أصله من طنجة من قبيلة نفزة المصمودية، ويحيى بن يحيى الليثي المصمودي (ت 234) الذي سمع الموطأ من مالك.
وكان من جملة ما حملته هذه الوفود إلى المغرب الأقصى المذهب المالكي. وقد سر المولى إدريس الثاني بقدوم هذه الوفود وقربهم إليه، وأسكنهم معه في مدينة فاس، وأقطع كلا من الوافدين مكانا يحمل إلى اليوم اسمه- وهو الذي أشرنا إليه- عدوة القرويين وعدوة الأندلسيين، ومن الجالية العربية استقضى على فاس –كما ذكرنا سابقا- عامرا القيسي الأندلسي
يقول الباحث الهنتاتي نقلا عن عبد العزيز الفيلالي: "ومن الممكن أن التقارب الذي برز في مرحلة أولى بين الأدارسة والأمويين والموجه ضد العباسيين، قد ساهم في تسرب الاتجاه السني إلى المغرب الأقصى، إلا أن ذلك التقارب سرعان ما ينقلب إلى عداوة نتيجة لاستقبال إدريس الثاني للثوار العرب الأندلسيين".
على هذا الأساس تكون الدولة الإدريسية في شخص إدريس الثاني – على الخصوص- هي التي وضعت الحجر الأساس في تأسيس هذه المدرسة (1)، بعد اختيارها للخط السني (أو الاتجاه السني) الذي يقوم على الدعوة للكتاب والسنة – وهو بمثابة غرس بذرة المذهب-، وبعد فتحها الباب لدخول أول كتاب حديثي، وهو موطأ الإمام مالك بن أنس والدعوة له، ثم تطعيم هذه المبادرة باستقبال طائفتين تنتميان لمركزين كبيرين من مراكز المذهب المالكي هما: قرطبة والقيروان، وقد حدث هذا في عهد إدريس الثاني(2)
فالدولة كما يقول المرحوم المكي الناصري: "لا تستطيع أن ترسم مذهبا إذا لن تكن لديها الأطر الكافية لذلك المذهب، فالمذهب المالكي لا في الأندلس، ولا في المغرب لم يصبح رسميا إلا بعد أن اختارته النخبة المثقفة عن طواعية وبينة... فوجدت الدولة الأطر الكافية للقضاء والفتوى من تلك النخبة الممتازة، وبعد ذلك أخذت على عاتقها مساندته وتشجيعه، ولقد جاء الفاطميون وحاولوا أن يفرضوا مذهبهم الشيعي بدلا من مذهب مالك، وجاء الموحدون فحاولوا في مبدأ أمرهم أن يفرضوا مذهبهم المهدوي بدلا من مذهب مالك، ولكن باءت محاولاتهم أخيرا بالفشل."
فالمذهب المالكي – كما ذكرنا – أصبح رسميا، لأن أرضية استنباته كانت مهيأة ومستعدة لتقبله رسميا.
على أننا إذا تخطينا الجهد الذي قام به إدريس في دعم المذهب المالكي ونشره كخطوة أولى من خطوات التأسيس للمدرسة المالكية، والدور الذي كان لقاضيه عامر القيسي الأندلسي في ذلك، واتجهنا لبحث المرحلة الموالية لمرحلة النشأة، وهي مرحلة البناء، أمكننا حصر بناتها الأساسيين في دور ثلاثة أمور نرتبها في المطالب التالية:
1- المطلب الأول: دور كبار علماء المالكية – البناة - في الفترة الإدريسية
2- المطلب الثاني: الأصول العلمية المالكية المعتمدة في نقل المذهب المالكي.
3- المطلب الثالث: بناء جامع القرويين، والأندلس
أ/بناء جامع القرويين:
جرت العادة أنه عندما يتحدث التاريخ عن حضارة مدينة ما من المدن، فإنه يقصد إلى عدد من الكيانات وطائفة من المقومات والخصائص والمميزات، جعلت من تلك المدينة حاضرة. وفيما يخص فاس بالذات فهي على الرغم من أنها العاصمة الأولى للدولة الإدريسية في المغرب الأقصى، وكونها مدينة شكلت أساسا من ساكنة عدوتين مالكيتي المذهب: أندلسية وقيروانية، وكونها الأولى التي احتضنت المذهب المالكي بشكل رسمي، ورحبت بموطأ الإمام مالك، أول كتاب حديثي يحل بها، وبمدونة سحنون – ولعله- أول كتاب فقهي يدخلها مع دراس بن إسماعيل الفاسي –كما تحكي الروايات-.
فيها شيء آخر تولد عن هذه الحركات المتطورة المتلاحقة، وكان وراء نهضة كبيرة انعكست على جوانب مختلفة، هو قلبها وهو عصبها وهو روحها وبصرها، هو كل شيء فيها، ولم يكن هذا الشيء غير جامع القرويين، هذا الجامع الذي تميز بأنه شيد في مدينة وضع حجرها الأساس لا برسم أن تكون معبرا، أو متجرا، أو مصنعا، لكن لتكون أولا وبالذات: "دار فقه وعلم".
وكذلك كان، فقد فتح جامع القرويين عيونه على مذهب الإمام مالك، وبعض المذاهب، بيد أن سائر تلك المذاهب أخذت تختفي شيئا فشيئا على مر الأيام، إلى أن انقرضت نهائيا من المغرب الأقصى، وسيبقى المذهب المالكي هو السائد، والمذهب الرسمي للمغاربة
وإن الفضل في انتشار المذهب المالكي، يرجع إلى هذا الجامع، لأنه منذ تأسيسه سنة 245 هـ، وهو يقوم بخدمة هذا المذهب، وذلك بما خرجه من علماء كان لهم الأثر الحاسم في نشر مبادئه بين المغاربة، ثم سيتعزز ذلك بوفود نخبة من العلماء الذين وصلوا إلى المشرق، وعادوا يحملون أصولا علمية في غاية الأهمية عليها المعول في الشرق، سوف نتعرض لذكرها في مبحث خاص.
ومما تميز به هذا الجامع، استمرار الدراسة به بصفة مطردة منذ الفترات الأولى، ولم تتفكك حلقاته الدراسية، وحتى عندما اتخذ المرابطون مراكش عاصمتهم عام 462 هـ، وبناء جامع ابن يوسف ظلت القرويين مركز إشعاع علمي وظل قضاة "مقر الخلافة" مراكش من أمثال عيسى بن عمران ت 578 هـ، يبعثون أبنائهم للتزود من معينها، وكان يتم مثل هذا في الأصقاع الجنوبية ومدن الساحل الشمالي.
ويرجع الفضل في تأسيس هذا الجامع -إلى جانب السيدة الفاضلة فاطمة الفهرية المتبرعة بالمال- إلى حفيد المولى إدريس الثاني وهو: يحيى الأول بن محمد بن إدريس الثاني بن إدريس الأول المتوفى سنة 249 هـ، فهو الذي أشرف على بناء جامع القرويين.
ب/ بناء جامع الأندلس:
إلى جانب جامع القرويين وجد جامع آخر بنته امرأة قروية يقال لها: مريم بن محمد بن عبد الله الفهري القروي، – أخت فاطمة بانية جامع القرويين - وابتدأ البناء فيه سنة خمس وأربعين ومائتين، بعد أن اشترت أرضه بوجه صحيح، وأنفقت فيه من مالها الموروث من أبيها، ونقلت إليه خطبة جامع الأشياخ، سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وقد كان بناؤه في عهد السلطان يحيى بن محمد بن إدريس بن إدريس المتوفى سنة 249 هـ.
وقد لعب هذا المسجد الجامع دورا كبيرا في نشر المذهب المالكي وخدمته، خصوصا خلال فترة بناء المدرسة المالكية، وقد وصف الجزنائي الدراسة أواسط القرن الرابع بجامع الأندلس، توأم جامع القرويين قال: "وكان جملة من الفقهاء يدرسون العلم في مواضع من هذا الجامع، وكانوا أهل الشورى ممن يقتدى بهم، يقصدهم الناس من أقطار البلاد، فمن مدرس، ومن طالب مما شاء من صنوف العلم في مجالس شتى يقصدهم الناس للفتوى، وطلب العلم، كالفقيه جبر الله بن القاسم الفاسي... " نزيل عدوة الأندلسيين.
قال الجزنائي: "وهو ممن أدخل علم مالك إليها، وهو من مشاهير فقهائها ومتقدميهم، لقي أصبغ بن الفرج، وسمع منه، وهو ممن لحق دراس بن إسماعيل –رحمه الله- كان جبر الله هذا مطلعا على الفقه المالكي اطلاعا متينا، حتى أنه استطاع أن يجيب دراسا عن كل ما تضمنه ابن المواز.
وشاء القدر لهاته النهضة العلمية أن يكبح جماحها، ولهذا المسجد الجامع أن يفقد نشاطه العلمي حين أرسل العبيديون جيشا عظيما سنة 349 هـ بقيادة قائدهم جوهر، فدخل فاسا عنوة، وقتل عددا من أبنائها وعلمائها، وأسر أميرها أحمد بن أبي بكر الزناتي وخمسة عشر من أعيان البلاد، وحملهم إلى القيروان وهم في أقفاص من خشب.
- المطلب الأول: الأعلام البناة للمدرسة المالكية الفاسية بعد نشأتها الأولى.
لعب بعض علماء المذهب المالكي الأوائل دورا مهما في ترسيخ المذهب المالكي بالمغرب الأقصى، فإلى جانب ما ذكرناه سابقا من الأعلام الذين وافوا المولى إدريس، فاستقضى واستوزر واستكتب منهم، أنجبت البيئة المغربية –الفاسية- طائفة من العلماء تتلمذ أغلبهم على القرطبيين والقيروانيين (الفاسيين)، ثم رحلوا بعد ذلك لاستكمال ثقافتهم وتكوينهم في المذهب المالكي، اشتهر منهم أسماء أربعة ممن كان لهم أثر بارز في مسيرة هذه المدرسة في عهد الدولة الإدريسية – عهد النشأة والبناء- وعملوا على توطيد المذهب المالكي في المغرب الأقصى انطلاقا من فاس. وهم حسب ترتيب تاريخ وفاتهم :
- 1-الشيخ أبو هارون العمري: المتوفى سنة 313 هـ،
البصري، من بصرة المغرب، قرب مدينة فاس، واسمه عمران بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن عبد الله بن علي بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه-
قال القاضي عياض: قال بعضهم عن سلمة بن فضل بن سلمة: طرأ إلينا إلى بجانة، وهو من أهل بصرة المغرب، فسمع أبي منه كتب ابن المواز، ثم رجع إلى بلده.
قال غيره: وهو أول من أدخل كتاب محمد بن المواز الأندلس، وسمع منه فضل كتاب ابن المواز.
كما خرج حاجا مع جماعة من أهل بلده، فوصلوا إلى المدينة فقصد دار جده عمر، فاجتمع بأهله، فأنسب لهم، فقبلوه وصححوا نسبه، وأخرجوا إليه درع عمر وسيفه، فلبس الدرع وتقلد السيف.
وسمع بالإسكندرية من ابن ميسر، وابن أبي مطر، وبالقيروان من ابن اللباد، وقال: كان هارون فقيها، وقرأت بخط الحكم أنه: كان ببجانة يطلب عند فضل بن سلمة، وأخذ عنه فضل كتاب محمد إجازة عن ابن ميسر، واختصر فضل بعض الكتاب.
وكانت وفاة أبي هارون الفقيه بالبصرة سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة (313 هـ)
2- الشيخ جبر الله بن القاسم الفاسي المتوفى سنة:350 هـ
من المتقدمين الذين كانوا يلازمون بصفة خاصة جامع الأندلس في الجانب الغربي منها، وهو ممن أدخل علم مالك إلى فاس، وساعد على نشره بالعدوتين، ولذلك يعد من مشاهير علماء فاس وفقهائها، لقي الإمام أصبغ بن الفرج المصري وسمع منه، وهو ممن لحقوا دراس بن إسماعيل الفاسي
ويروى أن دراسا لما قدم بكتاب محمد بن المواز قال له جبر الله: ما الذي جئت به؟ فأخبره بالكتاب المذكور، فقال له: أذكر منه، فجعل دراس يذكر المسائل وجبر الله يجيبه بما حفظ، وما لم يحفظ قاسه على أصول مذهب مالك."
3- الشيخ ابن سعادة المتوفى سنة:355 هـ
هو الفقيه أبو موسى عيسى بن سعادة، من فقهاء فاس الأولين، الذين أخذوا عن جبر الله بن القاسم، وقد طلب العلم أيضا بالقيروان ومصر والأندلس،كان صاحب أبي الحسن القابسي، وسمع من أبي الحسن بن الإمام والدباغ والأبياني، وصحب الأصيلي أيضا وحمزة بن محمد الحفظ وغيرهما. ذكره ابن سهل في مختصر المدارك، أدركه أجله بمصر سنة 355 هـ، ولما توفي تنازعه الفقهاء والمحدثون كلهم يدعيه ويقول: أنا أحق بالصلاة عليه.
4- الشيخ دراس بن إسماعيل الفاسي الموفى سنة:357 هـ
قال عبد الهادي التازي: وهذا علم عظيم من أعلام فاس، أستاذ بالأندلس والقيروان وسبتة، أخذ العلم عن شيوخ بلده، ورحل إلى الأندلس واستقر بها طالبا ومجاهدا.
قال القاضي: وله رحلة حج فيها، وسمع من علي بن أبي مطر بالإسكندرية كتاب ابن المواز، وحدث به بالقيروان، وأخذ عنه بها أبو محمد عبد الله بن أبي زيد صاحب الرسالة والنوادر الزيادات، وأبو الحسن القابسي المحدث الفقيه صاحب الملخص والممهد، وغيرهما. ثم رجع إلى فاس، فكان أول من أدخل إليها مدونة سحنون، وممن أخذ عنه أبو المطرف عبد الرحمن بن خلف التجيبي الإقليشي، وأبو عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن أحمد بن العجوز الكتامي عالم سبتة، الذي روى عنه جماعة من سبتة ومن فاس
وكانت إليه الرحلة بالمغرب في وقته، وعليه مدار الفتيا.
وذكر عن بعض أصحاب أبي بكر بن اللباد، قال: كنت يوما جالسا في مجلس أبي بكر بن اللباد وأبو ميمونة يقرأ عليه الموطأ، فتوافقا في حديث، فخالفه فيه شيخنا، وقال أبو ميمونة: كتابي هذا قرأته بالأندلس وبفاس.
فأمر أبو بكر بإخراج موطأ ابن وهب وكتب كثيرة، حتى تقرر عندهم حقيقة الحرف الذي اختلفوا فيه، فلما نظر أبو بكر إلى الكتب والرزم قد حلت ضاق، وقال لابن ميمونة، يا هذا فيك استقصاء، وما أظنك تريد إلا أن تكون ديكا في بلدك.
فقال أبو ميمونة: أكرمك الله، ولو شئت أن أكون ديكا في غير بلدي كنت... "والقصة بكاملها في ترتيب المدارك.
وتوفي بفاس – رحمه الله- في ذي الحجة سنة سبع وخمسين وثلاثمائة (357 هـ) فيما قاله ابن الفرضي
ودفن بالموضع المعروف بمطرح الأجلة، الموقوف على دفن الغرباء خارج باب الجيزيين من مدينة عدوة فاس الأندلس، وتعرف حاليا بباب الحمراء.
وكان له – رحمه الله- بفاس مسجد يعرف به بحومة مصمودة من عدوة فاس الأندلس، ويقال: إن قبلته أقوم قبلة بفاس، وبه كان يدرس الفقه بعد رجوعه من المشرق.
وقال صاحب السلوة: ويحكى أن أبا محمد بن أبي زيد القيرواني قدم لفاس لزيارته، فوجده قد توفي في ذلك اليوم، فحضر جنازته وأقام بقبره ثلاثة أيام، وكان ذلك سبب زيارة القبور بفاس تلك الأيام إلى الآن. ولما أراد الرحيل من ثم إلى بلده أنشد:
قف بالمقابر للتوديع يا حـادي *** فإن في جوفها قلبي وأكـبـادي
وقد اعتمد هؤلاء الفقهاء في بناء هذه المدرسة على أصول علمية في غاية الأهمية، هي محور النقطة الموالية التالية:
2- المطلب الثاني: الأصول العلمية المالكية المعتمدة في بناء المدرسة المالكية الفاسية –عهد الدولة الإدريسية-:
هذه الفقرة مرتبطة بالتي قبلها، فمن خلال تراجم العلماء السالفي الذكر يمكننا الوقوف على أهم الأصول العلمية التي دخلت المغرب الأقصى، واعتمدتها المدرسة المالكية الفاسية أساسا في ترسيخ المذهب المالكي، واعتبارها قاعدة صالحة للبناء –إلى حدود النصف الأول من القرن الرابع الهجري، فترة بداية اضمحلال وضعف الدولة الإدريسية – وهي على العموم:
(أ‌) كتاب موطأ الإمام مالك بن أنس المتوفى سنة 179 هـ
(ب‌) كتاب مدونة سحنون عن ابن القاسم المتوفى سنة 204 هـ.
(ت‌) كتاب الموازية لمحمد بن المواز المتوفى سنة 269 هـ.
(ث‌) أسمعة أصبغ بن الفرج المتوفى سنة 255 هـ.
هذه الكتب، هي من أشهر ما ألف في المذهب المالكي عموما في مرحلة التأسيس، بعد الموطأ، الأصل الأول لهذا المذهب، وهي التي تشكل الأسس التي قام عليها المذهب المالكي على العموم إلى جانب بعضها الآخر-كالعتبية والواضحة -.كما نالت منزلتها عند أهل المذهب لأسباب زمنية وموضوعية، باعتبارها من أوائل المصنفات الجامعة للروايات والأقوال في المذهب المالكي، حيث تمت على يد المتقدمين من كبار العلماء حتى أصبحت بمنزلة الأم بالنسبة للمؤلفات التي جاءت بعدها.
ولقد وصل منها إلى المغرب الأقصى إلى حدود الفترة التي ندرسها وحسب ما توصلت إليه، الأربعة المشار إليها أعلاه. وبحثها ينتظم في أربعة فقرات:
(أ)- الفقرة الأولى: كتاب الموطأ دخل فاس مع القاضي عامر القيسي الأندلسي أيام إدريس، وهو كتاب فقه وحديث معا، ويعد كتاب الموطأ أول مؤلف في تاريخ الإسلام تناقلته الأجيال منذ تأليفه، ثبتت نسبته إلى صاحبه.
قال القاضي عياض في القبس:"الموطأ هو أول كتاب ألف في شرائع الإسلام، وهو آخره، لأنه لم يؤلف مثله، إذ بناه مالك (ض) على تمهيد الأصول للفروع، ونبه فيه على معظم أصول الفقه التي ترجع إليها مسائله ".
وقال ولي الله الدهلوي: كتاب الموطأ أصح كتب الفقه وأشهرها وأقدمها، وأجمعها، وقد اتفق السواد الأعظم من الملة المرحومة على العمل به، والاجتهاد في روايته "
كما بوبه على أبواب الفقه، فأحسن ترتيبه وتبويبه، فكان كنابا حديثيا فقهيا، جمع بين الأصل والفرع، فهو أول تدوين يعتبر في الحديث والفقه، إذ لم يختلف أهل النظر إلى معاني الأمور وغاياتها في أن الموطأ أول كتاب قصد منه إثبات الصحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد وصفه الإمام الشافعي، قال: "ما كتاب أكثر صوابا بعد كتاب الله من كتاب مالك " وقال: ما في الأرض بعد كتاب الله أكثر صوابا من موطأ مالك بن أنس" وقال: ما كتاب بعد كتاب الله عز وجل أنفع من موطأ مالك بن أنس"
ومن اليقين أنه ليس بيد أحد اليوم كتاب في الفقه أقوى من الموطأ، لأن فضل كتاب: إما باعتبار المؤلف، أومن جهة التزام الصحة، أو باعتبار الشهرة، أومن جهة القبول، أو باعتبار حسن الترتيب واستيعاب المقاصد، ونحو ذلك، وكل ذلك يوجد في الموطأ "
وقد اعتمدت المدرسة المالكية الفاسية في فقهها على الموطأ، وأصول المذهب هي المدونة والموطأ، إلا أن الموطأ مقدم في الفقه على المدونة، فالموطأ عدة مذهب مالك وأساسه.
(ب)الفقرة الثانية: كتاب المدونة: أجمع العلماء على أن أول من أدخلها فاس هو الفقيه دراس بن إسماعيل الفاسي (ت375 هـ). وهي للإمام عبد السلام سحنون المتوفى سنة 240 هـ، ويعتبر أقدم كتاب وصل المغرب الأقصى بعد كتاب الموطأ، وهو في مجمله، عبارة عن أسئلة سئل عنها عبد الرحمن بن القاسم، تلميذ مالك، فأجاب عنها بما كان سمعه من شيخه مالك بن أنس (ت 179)، وكان إذا لم يجد في المسألة جوابا لمالك يجيب عنها باجتهاده، كما تحتوي على آراء فقهية وأجوبة لبعض تلامذة مالك كعبد الله بن وهب، وأشهب بن عبد العزيز وغيرهم.
والمدونة هي أصل المذهب المالكي وعمدة الفقهاء في القضاء والإفتاء المرجح روايتها على سائر الأمهات، وهي الأصل الثاني بعد الموطأ في الفقه المالكي إذ بها كانوا يتناظرون ويتذاكرون، وإليها كانوا يرجعون فيما أشكل عليهم من هذا المذهب
ولعل أي كتاب من كتب المذهب لم يحظ بما حظيت به المدونة، إذ تعلق الناس بها، وحفظوها عن ظهر قلب على كبر حجمها، وأكثروا من الشروح لها، ومن التعليق عليها، والتنبيه على غريبها ومشكلاتها، وقد روى ابن رشد عن بعضهم قوله: "ما بعد كتاب الله أصح من موطأ مالك رحمه الله، ولا بعد الموطأ ديوان في الفقه أفيد من المدونة"
وباختصار، المدونة دستور المالكية الذي يحتكمون إليه أيا كانت مدارسهم وعصورهم، حتى قال قائلهم: "ما من حكم نزل من السماء إلا وهو في المدونة" فهي أشرف ما ألف في الفقه من الدواوين، وهي أصل المذهب وعمدته، حتى صار يطلق عليها: "الأم"، وكذلك إذا أطلق الكتاب فإنما يريدونها لصيرورته عندهم علما بالغلبة عليها
ولقيمتها العلمية وأهميتها بين كتب المذهب، ذهب بعض المؤرخين للمذهب، إلى اعتبار دراس بن إسماعيل – الذي يعتبر أول من أدخلها فاس- بأنه أول من أدخل المذهب المالكي المغرب الأقصى.
(ت) الفقرة الثالثة:-كتاب الموازية: دخل هذا الكتاب المغرب الأقصى عن طريق ثلاثة من الأعلام، والراجح أن يكون أول من أدخله، هو أبو هارون البصري ت 313
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elmalikiya.rigala.net
 
لمدرسة المالكية الفاسية: النشأة الأولى والمميزات عـهـد الـدولــة الإدريـسيـة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» السمات الأساسية للمدرسة المالكية بالعراق ومظاهر الالتقاء والافتراق بينها ‏وبين المدارس المالكية الأخرى
» خصائص المدرسة المالكية المغربية
»  المدارس الفقهية المالكية وتوزيعها الجغرافـــي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: قسم مدارس المذهب المالكي :: منتدى المدرسة المغربية-
انتقل الى: