خصائص المدرسة المالكية المغربية
لقد تميزت المدرسة المغربية بخصائص ومؤهلات هائلة رشحتها لتلك المكانة المرموقة ضمن المدارس الأخرى، ومنحتها ذلك النفس المتجدد الذي ظلت تنافح به قرونا طويلة من الزمن، ولم يصبها ما أصاب غيرها من المدارس من أنواع الانحسار والتلاشي الذي انتهى في أغلب الأحيان بالانقراض والانتهاء، فقد كانت هذه المدرسة تحمل بين طياتها بذور بقائها واستمرارها، ولم تزدها الضربات التي أصابتها إلاّ صلابة وقوة، ويرجع ذلك إلى جملة من الخصائص التي يعسر حصرها ويصعب تحديدها ولكن حسبي أن ألوح على أهمها وأشير إلى أقربها.
لقد تميزت المدرسة المغربية بخصائص ومؤهلات هائلة رشحتها لتلك المكانة المرموقة ضمن المدارس الأخرى، ومنحتها ذلك النفس المتجدد الذي ظلت تنافح به قرونا طويلة من الزمن، ولم يصبها ما أصاب غيرها من المدارس من أنواع الانحسار والتلاشي الذي انتهى في أغلب الأحيان بالانقراض والانتهاء، فقد كانت هذه المدرسة تحمل بين طياتها بذور بقائها واستمرارها، ولم تزدها الضربات التي أصابتها إلاّ صلابة وقوة، ويرجع ذلك إلى جملة من الخصائص التي يعسر حصرها ويصعب تحديدها ولكن حسبي أن ألوح على أهمها وأشير إلى أقربها.
1. مراعاة الخلاف العالي :
يعرف علم الخلاف بأنه "علم يعرف به كيفية إيراد الحجج الشرعية ودفع الشبه وقوادح الأدلة الخلافية بإيراد البراهين القطعية، وهو الجدل الذي هو قسم من المنطق إلاّ أنه خصّ بالمقاصد الدينية .
وقد ألف مالكية الغرب الإسلامي في هذا النوع من العلوم ما يعد كثرة، إلا أن تآليفهم لم تصل إلى الشهرة والكثرة التي تميز بها مالكية العراق الذين كانوا يعيشون في جو كثرت فيه المذاهب الفقهية، فقد كانوا يعاصرون الحنفية والشافعية، وكان بينهم من المد والجزر ما كان، بالإضافة إلى أن البيئة العراقية كانت تزخر بنشاط عارم لكل التيارات العلمية بكل أطيافها السياسية والعقدية والفقهية والحديثية واللغوية والصوفية وغيرها، فكان من الطبيعي أن يكون ذلك الزخم الهائل من التصانيف في هذا الميدان، أما المدرسة المالكية المغربية فكانت أقل احتضانا للصراعات الفقهية والعقدية لسلطان المذهب المالكي واستيعابه تقريبا لكل المنطقة اللهم إلا ما نذر ممن كان لا يصدع بانتسابه لغير المذهب المالكي لاسيما بلاد الأندلس التي هدد أميرها كل خارج عن المذهب بالعقاب والنكال .
ويقوم علم الخلاف على الرد على المخالفين وإثبات الخلل في أقوالهم ونقض حججهم وبراهينهم، وفي المقابل الانتصار لآرائهم وإظهار ما تحتوي عليه من الحجية والغلبة، ورغم قلة باع المغاربة في هذا الميدان إلاّ أنهم سبقوا غيرهم في هذا الفن بما ألّفه محمد بن سحنون من خلال كتابه الموسوم بكتاب الجوابات والذي يسمى أيضا بكتاب الرد على الشافعي وعلى أهل العراق ويقع في خمسة كتب ، وألف أبو الوليد الباجي كتابه الشهير السراج في عمل الحجاج، وهو كتاب في مسائل الخلاف كبير لم يتمه صاحبه، ويرد هذا الكتاب بعنوان آخر هو كتاب المنهاج في ترتيب الحجاج .
ولم يغفل كثير من علماء المغاربة عند شرحهم لمدونة سحنون مراعاة الخلاف في كثير من القضايا التي خالف فيها المالكية غيرهم، من ذلك كتاب التعليق على المدونة لابن الصائغ عبد الحميد القيرواني الذي كان يعرج على الخلاف خارج المذهب ولا يكتفي بسرد الآراء الواردة في المذهب فقط .
أما أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد فقد ظهر الخلاف العالي في كتابه المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات جليا، فهو في هذا الكتاب ينظر في ميدان الخلاف العالي ويدافع عن المذهب المالكي بالحجة والبرهان .
وألّف محمد بن عبد الله بن العربي المعافري كتابه الشهير الإنصاف في مسائل الخلاف وهو كتاب ضخم يقع في عشرين مجلدا.
أما ابن رشد الحفيد فكتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد يعتبر أفضل ما ألف في هذا الميدان في وقته، فقد ذكر فيه أسباب الخلاف وعلّل فأفاد وبسط فأمتع.